وظيفة الرسل ودورها في المجتمع

وظيفة الرسل في الدين والفكر الإنساني

تعدُّ وظيفة الرسل من المواضيع الحيوية في الديانات السماوية وكذلك في الفكر الإنساني، فقد شغلت مكانة هامة في تفسير العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان والمجتمع. لا تتوقف دراسة وظيفة الرسل عند حدود الديانات السماوية فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيراتهم على التشريعات الاجتماعية والأخلاقية التي شكلت المفاهيم الأساسية للحياة البشرية. وتنبثق وظيفة الرسل من مفهوم الوحي والتوجيه الإلهي، الذي يتسم بخصوصية بالغة لأنهم يعدّون الوسيلة الرئيسية التي يصل بها الدين إلى البشر في صورته الكاملة والصحيحة.

1. الرسل في الديانات السماوية

في الدين الإسلامي، يُعتبر الرسل هم الأنبياء الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى من بين البشر ليحملوا رسالاته إلى الأمم. من أبرز مهامهم: توجيه الناس إلى العبادة الصحيحة، وإصلاح المعوجّات في المجتمع، وتقديم الشريعة التي تعينهم على بلوغ الرفاهية الروحية والمادية.

أما في المسيحية، فإن وظيفة الرسل تظهر جلية من خلال دور السيد المسيح وأتباعه في نشر تعاليمه، التي لا تقتصر على التبشير بالكلمة بل تقتصر أيضًا على معجزاته وأفعاله التي كانت تحمل أبعادًا اجتماعية وروحية. ويُعترف بأن المسيح هو “الرسول” الأول بالنسبة للمسيحيين، في حين أن باقي الرسل الذين تلوه هم وسطاء بين البشر والسماء.

وفي اليهودية، تتخذ وظيفة الرسل دورًا مماثلًا، لكن النصوص الدينية اليهودية تركز بشكل أكبر على الأنبياء الذين جاؤوا قبل المسيح، مثل موسى الذي كان رسولًا يحمل شريعة الله ويسعى لإخراج بني إسرائيل من عبودية مصر. وتُعتبر تعاليم هؤلاء الأنبياء أساسًا لتشكيل المجتمع اليهودي.

2. الوظيفة الروحية والأخلاقية

الرسالة التي يحملها الرسل ليست محصورة في إخبار الناس بتعاليم دينية فقط، بل تتعدى ذلك لتشمل الإرشاد الروحي، والتوجيه الأخلاقي، ووضع قواعد للسلوك. كانت الرسالات التي أتى بها الرسل بمثابة إضاءات تقود الأمم والشعوب نحو الحياة الطيبة القائمة على العدل والمساواة والرحمة.

الرسل يعملون على توجيه البشر نحو الله، وبيان كيفية العيش وفقًا لما يرضيه. فكانت رسالتهم تتضمن توجيهات واضحة حول كيفية عبادة الله، وطريقة التعامل مع الآخرين، وتوضيح الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع. ومن خلال تعاليمهم، نجد أن الرسل دعوا إلى احترام المساواة الإنسانية، وطالبوا بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وحاربوا الاستبداد والقسوة.

3. الوظيفة التشريعية

من أبرز وظائف الرسل التشريع الديني والاجتماعي. تحمل رسالات الرسل شريعات تُعتبر المنهج الأساس لتنظيم حياة الأفراد والجماعات. في الإسلام مثلًا، نجد أن القرآن الكريم يحتوي على تشريعات دينية واجتماعية تنظم الحياة في كل جوانبها، بدءًا من الصلاة والزكاة، وصولًا إلى التشريعات الاقتصادية والجنائية. كل هذا كان من خلال الرسالة التي نقلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

أما في اليهودية والمسيحية، فقد كانت هناك أيضًا شريعات دينية وأخلاقية نقلها الأنبياء. فالتوراة التي نزلت على موسى تحتوي على العديد من القوانين التي تتعلق بالعبادات، والتعاملات بين الناس، وحقوق الإنسان. وكذا الحال في العهد الجديد، حيث جاء المسيح ليؤكد على مبادئ المحبة والسلام التي كانت في جوهر تعاليمه.

الرسل بهذا المعنى كانوا وسطاء بين الله والناس، ينقلون الرسالات التي تهدف إلى إقامة مجتمع عادل وملائم للمصلحة العامة. وقد تضمّنت هذه التشريعات ليس فقط العبادات الفردية، بل أيضًا سبل التعايش بين أفراد المجتمع، وسبل حماية حقوق الإنسان، وضمان العدالة بين الناس.

4. الوظيفة الاجتماعية والسياسية

إلى جانب وظائفهم الروحية والتشريعية، كان للرسل دور كبير في الحياة الاجتماعية والسياسية لشعوبهم. فقد كان بعضهم قادة سياسيين واجتماعيين بأتم معنى الكلمة. حيث أتى الرسل ليحدثوا تغييرات جذرية في بنية المجتمعات التي بعثوا إليها، سواء كان ذلك بتوجيه الناس إلى إحقاق الحق، أو بتحقيق العدالة بين الطبقات الاجتماعية.

على سبيل المثال، فقد ساعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تغيير موازين القوى في المجتمع العربي الجاهلي. فقد كان للمساواة، والعدل، والرحمة في تعاليمه تأثير بالغ في تطوير المجتمع من مجتمع قبلي إلى مجتمع إسلامي موحد يقوم على العدل والمساواة بين جميع أفراده، بغض النظر عن أصولهم أو ألوانهم أو أحوالهم الاجتماعية.

كما كان لدى بعض الرسل دورًا في التغيير الاجتماعي، مثلما كان الأمر مع المسيح، الذي تميزت رسالته بأنها أعطت الأمل للفقراء والمضطهدين، وكانت تدعو إلى التواضع والمحبة. واعتبرت المسيحية في مراحلها الأولى الحركة التي رفعت من شأن الطبقات المحرومة والمهمشة.

5. الوظيفة النفسية والتعليمية

الرسل لا يقتصر دورهم على تغيير المجتمع فحسب، بل يمتد دورهم إلى تغيير الأفراد على المستوى النفسي والعقلي. كانت رسالاتهم تهدف إلى تربية الإنسان روحيًا وعقليًا، لتعزيز القيم الأخلاقية وتوجيه التفكير العقلاني. فالرسل لم يأتوا ليغرسوا فقط معتقدات دينية، بل ليجعلوا أتباعهم قادرين على التفكير بشكل أعمق، واتخاذ قرارات صائبة تتوافق مع القيم الإنسانية العليا.

إن التعليم الذي جاء به الرسل، سواء من خلال الكتب السماوية أو من خلال أقوالهم وأفعالهم، كان موجهًا إلى الإنسان كي يُربي عقله ويفتح له آفاق التفكير المستنير. كان الهدف هو أن يتحرر الإنسان من قيود الجهل ويصل إلى حالة من الفهم العميق لمقاصد الحياة والوجود.

6. وظيفة الرسل في القرآن الكريم

القرآن الكريم الذي يعد كتابًا إلهيًا ختاميا في الإسلام، يتناول في العديد من آياته وظائف الرسل ويبينها بشكل واضح. فقد قال الله تعالى في كتابه: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (النحل: 43). من خلال هذه الآية، يتبين أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل في جميع الأزمنة، كل واحد منهم يحمل رسالته الخاصة التي تناسب فترة زمنه، وتوجهات قريته أو أمته، إلا أن جميع هذه الرسالات تتفق في الأصل والمقصد.

وقد أُوكلت إلى هؤلاء الرسل مهام عظيمة تتضمن التبليغ برسالة الله، وتوجيه الناس إلى التوحيد، وحثهم على الأخلاق الطيبة، والعمل الصالح. كما أن وظيفة الرسل تتضمن الإخبار بالحقائق الغيبية التي لم يكن بإمكان البشر إدراكها إلا من خلال وحي الله.

7. الخاتمة

تعدّ وظيفة الرسل من المهام الأساسية في التاريخ الديني والإنساني، حيث جمعت بين الأبعاد الروحية والتشريعية والاجتماعية والنفسية. فكل رسول بعثه الله كان له دور كبير في توجيه الناس، وتحقيق العدالة، وتعليم الأخلاق، وإصلاح المجتمع. وظلت رسالاتهم عبر التاريخ مصدرًا للتوجيه في مجالات الحياة كافة.